فصل: من فوائد الجصاص في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} إنَّمَا لَحِقَتْهُمْ سِمَةُ الْكُفْرِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّدَيُّنِ بِهِ وَاعْتِقَادِهِمْ إيَّاهُ وَالْإِقْرَارِ بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ مُنْكِرِينَ لَهُ لَمَا كَفَرُوا؛ وَالْكُفْرُ هُوَ التَّغْطِيَةُ، وَيَرْجِعُ مَعْنَى مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ إلَى التَّغْطِيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كُفْرَانُ النِّعْمَةِ بِجَحْدِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُنْعِمُ بِهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِضَافَتُهَا إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ ادَّعَوْا لَهُ الْإِلَهِيَّةَ.
وَالْآخَرُ كُفْرٌ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ جَاهِلٍ بِاَللَّهِ كَافِرٌ لِتَضْيِيعِهِ حَقَّ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مُضِيفِهَا إلَى غَيْرِهِ.
وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} مَعْنَاهُ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أَرَادَ هَلَاكَ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ.
وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الِاحْتِجَاجِ وَأَوْضَحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَسِيحُ إلَهًا لَقَدَرَ عَلَى دَفْعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى إهْلَاكَهُ وَإِهْلَاكَ غَيْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْمَسِيحُ وَسَائِرُ الْمَخْلُوقِينَ سَوَاءً فِي جَوَازِ وُرُودِ الْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ عَلَيْهِمْ، صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ سَائِرُ النَّاسِ آلِهَةً وَهُوَ مِثْلُهُمْ فِي جَوَازِ الْفَنَاءِ وَالْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ عَلَيْهِمْ. اهـ.

.من روائع شرف الدين البوصيري:

قال عليه الرحمة:
أسَمِعْتُمُ أنَّ الإلَه لحَاجَةٍ ** فأبى أقلُّ العالمين عُقُولا

قومٌ رأوا بشرًا كريمًا فادَّعوا ** من جهلهمْ للهِ فيهِ حُلولا

وعصابة ٌ ماصدقتهُ وأكثرتْ ** بالإفكِ والبهتانِ فيه القيلا

لَمْ يَأْتِ فيهِ مُفْرِطٌ ومُفَرِّطٌ ** بالحَقِّ تَجْرِيحًا وَلا تَعْدِيلا

فكأنما جاء المسيحُ إليهمُ ** لِيُكَذِّبُوا التَّوْراة َ والإنجيلا

فاعجبْ لأمتهِ التي قد صيَّرتْ ** تنزيهها لإلهها التَّنكيلا

وإِذا أرادَ الله فِتْنَة َ مَعْشَرٍ ** وَأَضَلّهُمْ رَأوُا القَبِيحَ جَمِيلا

هُمْ بجَّلُوهُ بِباطِلٍ فابْتَزَّهُ ** أعداؤُه بالباطلِ التَّبْجِيلا

ويَنَامُ مِنْ تَعَبٍ وَيَدْعُو رَبَّهُ ** زُمرًا ألم ترَ عِقدها محلولا

هُوَ آدَمٌ فِي الفَضلِ إلاَّ أنهُ ** لَمْ يُعْطَ حال النَّفخة ِ التَّكْمِيلا

أسَمِعْتُمُ أنَّ الإلَه لحَاجَةٍ ** يتناولُ المشروبَ والمأكولا

وينامُ من تعبٍ ويدعو ربَّهُ ** ويرومُ من حرِّ الهجيرِ مقيلا

ويمسُّهُ الألمُ الذي لم يستطعْ ** صَرْفًا لَهُ عنهُ ولا تَحْوِيلا

ياليتَ شعري حين مات بزعمهم ** منْ كان بالتدبير عنهُ كفيلا

هَلْ كانَ هَذا الكَوْنُ دَبَّرَ نَفْسَهُ ** من بعدهِ أم آثرَ التعطيلا

اجزُوا اليَهُودَ بِصَلْبِهِ خَيرًا ولا ** تُخْزُوا يَهُوذَا الآخِذَ البِرْطِيلا

زعموا الإلهَ فدى العبيدَ بنفسهِ ** وأراهُ كانَ القاتِلَ المَقْتُولا

أيَكونُ قَوْمٌ في الجَحِيمِ ويَصْطَفِي ** منهم كَلِيما رَبُّنا وخَليلا

وإذا فَرَضْتُمْ أنَّ عيسى ربَّكُمْ ** أَفَلَمْ يَكُنْ لِفِدائِكُمْ مَبْذُولا

وأُجِلُّ رُوحًا قامَتِ المَوْتى بهِ ** عَنْ أَنْ يُرَى بِيَدِ اليَهودِ قَتِيلا

فدعوا حديثَ الصَّلبِ عنه ودونكمْ ** مِنْ كُتْبِكُمْ ما وافَقَ التَّنْزِيلا

شهدَ الزبورُ بحفظهِ ونجاتهِ ** أفتعجلون دليلهُ مدخولا

أيَكونُ قَوْمٌ في الجَحِيمِ ويَصْطَفِي ** أو من أشيدَ بنصرهِ مخذولا؟

أيَجُوزُ قَوْلُ مُنَزِّهِ لإِلههِ ** سبحانَ قاتِلِ نَفْسِهِ فأَقُولا؟

أوْ جَلَّ مَنْ جَعَلَ اليَهُودُ بِزَعْمِكُمْ ** شوكَ القتادِ لرأسهِ إكليلا

ومضى بحملِ صليبهِ مستسلمًا ** للموتِ مكتوفَ اليدينِ ذليلا

كم ذا أبكتكمْ ولمْ تستنكفوا ** أنْ تَسْمَعُوا التَّبْكِيتَ والتَّخْجِيلا

ضلَّ النصارى في المسيحِ وأقسموا ** لايهتدون إلى الرشادِ سبيلا

جَعَلوا الثَّلاثَة َ واحِدًا وَلَو اهْتَدوا ** لَمْ يَجْعَلُوا العَدَدَ الكَثيرَ قليلا

عَبَدُوا إلهًا مِنْ إلهِ كائِنًا ** ذا صورةٍ ضلوا بها وهيولى

ضلَّ النَّصارى واليهودُ فلا تكنْ ** بهِمِ عَلَى ُسُبل الهُدَى مَدْلُوُلا

والمدَّعو التثليثِ قومٌ سَوَّغوا ** ما خالف المنقولَ والمَعْقولا

والعابدونَ العجلَ قد فُتنوُا به ** ودُّوا اتخاذ المُرْسلينَ عجولا

فإِذا أتَتْ بُشْرَى إليهمْ كَذَّبُوا ** بهوى النفوسِ وقُتِّلُوا تقتيلا

وكفى اليهودَ بأنهم قد مَثَّلُوا ** مَعْبُودَهُم بِعِبَادِهِ تَمثِيلًا

وبأَنَّ إسرائيلَ صارعَ رَبَّهُ ** ورمى به شُكرًا لإسرائيلا

وبأنَّهم رحَلُوا به في قُبَّةٍ ** إذْ أزمعوا نحوَ الشامِ رحيلا

وبِأنهمْ سَمِعُوا كلامَ إلهِهِمْ ** وسبيلهُمْ أنْ يسمعوُا المنقولا

وبأنهم ضَرَبُوا لِيَسْمَعَ رَبَّهُمْ ** في الحَرْبِ بِوقاتٍ لَهُ وَطُبُولا

وبأنَّ رَبَّ العالَمينَ بدالَهُ ** في خلقِ آدمَ يالهُ تجهيلا

وبدا لَهُ في قَوْمِ نوح وَانْثَنى ** أسفًا يعضُّ بنانهُ مذهولا

وَبأنَّ إبراهيمَ حاولَ أكْلَهُ ** خُبْزًا وَرامَ لِرِجْلِهِ تَغْسِيلا

وبأنَّ أموالَ الطَّوائِفِ حُلِّلَتْ ** لهمُ ربًا وخيانة ً وغلولا

وبأنهمْ لم يَخْرِجُوا مِنْ أَرْضِهِمْ ** فكأنهم حسِبوا الخُروجَ دُخولا

وحديثهمْ في الأنبياءِ فلا تسلْ ** عنه وخَلِّ غِطاءهُ مَسْدُولا

لَمْ يَنتَهُوا عَنْ قَذْفِ دَاوُدَ وَلا ** لوطٍ فكيفَ بقذفهم روبيلا

وَعَزَوْا إلَى يَعْقُوبَ مِنْ أوْلادِهِ ** ذِكْرًا مِنَ الفِعْلِ القَبيحِ مَهولا

وإلى المسيحِ وأمهِ وكفيّ بها ** صِدِّيقَة ً حَمَلَتْ به وَبتُولا

وَلِمَنْ تَعَلَّقَ بالصَّلِيب بِزَعْمِهِم ** لعنًا يعودُ عليهم مكفولا

وجنوا على هارونَ بالعجلِ الذي ** نسبوا لهُ تصويرهُ تضليلا

وَبأنَّ موسى صَوَّرَ الصُّوَرَ التي ** ما حلَّ منها نهيهُ معقولا

ورضوا له غضبَ الإلهِ فلا عدا ** غَضَبُ الإلهِ عَدُوَّهُ الضِّلِّيلا

وبأنَّ سِحْرًا ما اسْتطاعَ لآيَةٍ ** منه وَلا استطاعتْ لهُ تَبْطِيلا

وبأَنَّ ما أبْدَى لهُمْ مِنْ آيَةٍ ** أبْدَوْا إليه مثْلَها تَخْييلا

إلاَّ البَعُوضَ ولا يَزالُ مُعانِدًا ** لإلهِهِ بِبَعُوضَةٍ مَخْذُولا

ورضوا لموسى أن يقولَ فواحشًا ** ختمتْ وصيَّتُهُ لهنَّ فصولا

نقلوا فواحشَ عن كليمِ اللهِ لمْ ** يَكُ مِثلُها عَنْ مِثْلِهِ مَنْقُولا

وَأَظُنُّهُمْ قد خالفوه فَعُجِّلَتْ ** لهُمُ العُقُوبَة ُ بالخَنا تَعْجِيلا

وشكتْ رجالهمُ مصادرَ ذيلها ** ونِساؤُهُمْ غيرَ البُعُولِ بُعولا

لُعِنَ الذينَ رأوا سبيلَ محمدٍ ** وَالمؤْمِنِينَ بِهِ أضَلَّ سَبِيلا

أَبْناءُ حَيَّاتٍ ألَمْ تَرَ أنهمْ ** يَجِدُونَ دِرْيَاقَ السُّمومِ قَتولا

مذْ فارقوا العجلَ الذي فتنوا به ** ودُّوا اتخاذ الأنبياء عجولا

فإذَا أَتَى بَشَرٌ إليهمْ كَذَّبوا ** بهوى النفوسِ وقُتِّلوا تقتيلا

أَخْلَوْا كِتَابَ الله مِنْ أحكامِهِ ** عدوًا وكان العامرَ المأهولا

جعلوا الحَرَامَ بهِ حَلالاَ وَالهُدَى ** غياَ وموصولَ التقى مفصولا

وَدَعاهُم ما ضَيَّعُوا مِنْ فَضْلِهِ ** إلاَّ وكانَ لهُ الزَّمانُ مُنِيلا

كَتَمُوا العِبادَة َ والمعادَ ومَا رَعَوْا ** للحقِّ تعجيلًا ولا تأجيلا

عجبًا لهم والسَّبْتُ بيعٌ عندهمْ ** لمْ يلقَ منهُ المُشترونَ مقيلا

هَلاَّ عَصَوْا في السَّبْتِ يُوشَعَ إذْ غَدا ** يدعو جنودًا للوغى وخيولا

أو خالفوا هارونَ في ذبحٍ وفي ** عَجْنٍ له لَمْ يُبْدِ عنهُ نُكُولا

أو ألحقوا بهما المسيحَ وسَوَّغوا التَّحـ ** وبأنَّ أموالَ الطَّوائِفِ حُلِّلَتْ

وحَدِيثُهُمْ في الأنبياء فلا تَسَلْ ** قد نُصَّ عنْ شَعْيا وعَنْ يُوئِيلا

أولمْ يروا حُكمَ العتيقة ِ ناسخًا ** أحكامَ كتبِ المرسلينَ الأولى

أفيأنفُ الُفَّارُ أنْ يستدركوا ** قولًا على خيرِ الورى منحولا

لادرَّ درهمُ فإنَّ كلامهم ** يذرُ الثَّرى من أدمعي مبلولا

فكأنني ألفيتُ مقلة َ فاقدٍ ** ثكلى وموجعةٍ تصيبُ عويلا

ظَنُّوا بربِّهِمُ الظُّنُونَ وَرُسْلِهِ ** أوْ خالَفُوا هارُونَ في ذَبْحٍ وَفي

إنْ يبخسوهُ بكيلِ زورٍ حقَّهُ ** فلأوسعنهمُ الجزاءَ مكيلا

ومن الغبينة ِ أن يجازى إفكهم ** صِدْقِي ولَسْنا في الكلاَمِ شُكُولا

لو يصدقون لما أتت رسلٌ لهمْ ** أترى الطبيبَ غدا يزور عليلا

إنْ أنْكَرُوا فضلَ النبيِّ فإِنما ** أَرْخَوْا عَلَى ضَوْء النّهارِ سُدُولا

الله أكبَرُ إِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ** وكتابهُ أقوى وأقومُ قيلا

طلعتْ به شمسُ الهداية ِ للورى ** وأبى لها وصفُ الكمالِ أُفولا

والحقُّ أبلجُ في شريعتهِ التي ** جمعتْ فروعًا للورى وأصولا

لاتذكروا الكتبَ السَّوالفَ عندهُ ** طلعَ النهارُ فأطفِئُوا القنديلا

دَرَسَتْ معالِمُها أَلاَ فاستَخبِرُوا ** منها رُسومًا قد عَفَتْ وطُلُولا

تُخْبِرْكُمْ التَّوْراة ُ أنْ قد بَشَّرَتْ ** قِدْمًا بأحمدَ أَم بإسماعيلا

ودعتهُ وحشَ الناسِ كلُّ نديَّةٍ ** وعلى الجميعِ له الأيادي الطُّولى

تَجِدُوا الصحيحَ مِنَ السَّقِيم فطالما ** صدقَ الحبيبُ هوى َ المحبِ نحولا

مَنْ مِثْلُ موسَى قد أُقِيمَ لأَهْلِهِ ** من بين إخوتهمْ سواهُ رسولا

أوْ أنَّ إخوتهمْ بنو العيصِ الذي ** نُقِلَتْ بَكارَتُهُ لإسْرائيلا

تاللهِ ما كانَ المُرادُ به فتى ** موسى ولا عيسى ولا شموِيلا

إذْ لَنْ يَقومَ لَهُمْ نَبِيٌّ مِثْلُهُ ** منهم ولو كان النبيُّ مثيلا

طوبى لِمُوسى حينَ بَشَّرَ باسمِهِ ** ولِسامِعٍ مِنْ فَضْلِهِ ما قيلا

وَجِبالُ فارانَ الرَّواسِي إنها ** نالتْ عَلَى الدُّنْيا به التَّفضيلا

واستَخبِرُوا الإنجيلَ عنه وحاذِرُوا ** مِنْ لَفْظِه التَّحْرِيفَ والتَّبْدِيلا

إنْ يدْعُهُ الإنجيلُ فارقليطهُ ** فلقَدْ دَعاهُ قبلَ ذلكَ إيلا

ودَعاهُ رُوحَ الحَقِّ لِلْوَحْيِ الذي ** يُتلى عليه بُكرة ً وأصيلا

وَأَبى لَها وصْفُ الكمال أُفُولا ** وأراهُ كانَ القاتِلَ المَقْتُولا

إنْ أنْطَلقْ عنكم يَكنْ خيرٌ لكم ** ليجيئكمْ منْ ترتَضُوهُ بديلا

يأتي على اسم الله منه مباركٌ ** ما كانَ مَوْعِدُ بَعْثِه مَمْطُولا

يَتْلُو كِتابَ البَّيِّناتِ كِتابهُ ** أبْدَوْا إليه مثْلَها تَخْييلا

ودُّوا اتِّخاذ الأنبياءِ عُجُولا ** وكَفَاهُمُ بِخَطِيئَة ِ تَخْجِيلا